- 2025-10-05 21:04:57
كتب اسماعيل الريماوي: أسطول الصمود ليس مجرد بواخر تبحر في عرض البحر، ولا مجرد شحنة من المساعدات تسعى لاختراق الحصار، بل هو مرآة تكشف وجه العالم، وتضع الجميع أمام امتحان أخلاقي لا يحتمل المواربة، فاستهدافه ليس استهدافًا لسفن تحمل الدواء والغذاء، بل هو اغتيال متعمد لكل ضمير حر، ومحاولة لكسر إرادة كل إنسان يرفض أن يطبع مع الظلم أو يستسلم للقهر، إن ما يتعرض له هذا الأسطول من تهديد وقمع إنما هو محاولة بائسة لإطفاء آخر ما تبقى من جذوة إنسانية في عالم غارق في التواطؤ.
العالم اليوم يقف بين صمتٍ مخزٍ ويقظةٍ خجولة، صمت الأغلبية الساحقة من الحكومات والأنظمة التي اختارت أن تدفن رؤوسها في الرمال، ويقظة الشعوب الحرة التي بدأت ترفع الصوت عاليًا وتكشف القتلة في تل أبيب، وتعزلهم يومًا بعد يوم في كل الساحات، إن ما يجري ليس مجرد معركة عسكرية في غزة، بل معركة قيم، معركة تحدد ما إذا كان هذا الكوكب سيتسع للعدالة والحرية أم يترك لمجازر مدفوعة بالدم والحديد والنار.
اما الأمريكيون فلا يمكنهم التنصل من مسؤوليتهم في هذه المحرقة، فهم ليسوا مجرد داعمين سياسيين فقط، بل ممولين بالسلاح والمال، وشركاء في كل تفصيل من تفاصيل الجريمة، شركاء في القرار، في التخطيط، في التنفيذ، وفي استمرار آلة القتل التي لا تتوقف، واشنطن لم تعد مجرد عاصمة لدولة عظمى، بل تحولت إلى غرفة عمليات تدير حرب الإبادة وتمنح القتلة غطاءً دبلوماسيًا وشرعية زائفة، ومن دون هذا الغطاء الأمريكي ما كان بإمكان آلة الحرب الإسرائيلية أن تواصل جرائمها بهذه الوقاحة.
أما العرب، فالمأساة عندهم مضاعفة، شعوبهم تصرخ وتغلي وتطالب بالفعل، لكن أنظمتهم تصر على أن تبقى في موقع الخذلان، لا صوت يعلو، ولا فعل يتحرك، وكأن غزة ليست جرحًا في الجسد العربي، وكأن دماء الأطفال التي تسيل هناك ليست دماءهم، إنهم يختبئون وراء بيانات باهتة ولقاءات شكلية، بينما شعوبهم مكبلة بالمنع والقمع وكأن التضامن نفسه جريمة، هكذا تحولت الأنظمة العربية إلى جثة هامدة، رماد بلا نار، صمت بلا كرامة.
إن أسطول الصمود هو امتحان أخير للعالم: إما أن يبقى شاهد زور على مجازر غزة، أو أن يتحول إلى صوت ضمير يجبر المجرمين على التراجع، فالمحرقة التي تتواصل هناك لا تُرتكب بحق الفلسطينيين وحدهم، بل بحق الإنسانية كلها، وكل من يلتزم الصمت أمامها، أو يختبئ وراء ذرائع السياسة والدبلوماسية، هو شريك فيها بقدر ما هو متواطئ مع القتلة.
إن غزة لا تطلب المستحيل، هي لا تطلب إلا أن تُترك لتعيش، أن تنال حقها الطبيعي في الحياة والحرية، وان أساطيل الصمود ليست مجرد قوارب، بل هي مشاعل أمل تقول للعالم: ما زال هناك من يجرؤ على الوقوف في وجه الطغيان، ما زال هناك من يرفض أن يموت الضمير، وإن فشل العالم في حماية هذه الأساطيل، فلن يكون الفشل سياسيًا فحسب، بل سقوطًا أخلاقيًا مدويًا، سيلاحق كل من صمت، وكل من تواطأ، وكل من مدّ القتلة بالسلاح والمال والغطاء.